فصل: من لطائف وفوائد المفسرين:

/ﻪـ 
البحث:

هدايا الموقع

هدايا الموقع

روابط سريعة

روابط سريعة

خدمات متنوعة

خدمات متنوعة
الصفحة الرئيسية > شجرة التصنيفات
كتاب: الحاوي في تفسير القرآن الكريم



.فوائد لغوية وإعرابية:

قال السمين:
سورة الانفطار:
{وَإِذَا الْبِحَارُ فجرت (3)}
قوله: {فجرت}: العامَّةُ على بنائِه للمفعول مثقَّلاً.
وقرأ مجاهد مبنياً للفاعل مخففاً، من الفُجور، نظراً إلى قوله: {بَيْنَهُمَا بَرْزَخٌ لاَّ يَبْغِيَانِ} [الرحمن: 20]، فلمَّا زال البَرْزَخُ بَغَيا.
وقرأ مجاهد أيضاً والربيع بن خُثَيْم والزعفرانيُّ والثوري مبنياً للمفعول مخففاً.
{وَإِذَا الْقُبُورُ بُعْثِرَتْ (4)}
قوله: {بُعْثِرَتْ}: أي: قُلِبَتْ. يقال: بَعْثَره وبَحْثَرَه بالعين والحاء.
قال الزمخشري: وهما مركبان من البَعْث والبَحْث مضموماً إليهما راءٌ. يعني: أنهما ممَّا اتَّفق معناهما؛ لأنَّ الراءَ مزيدةٌ فيهما إذ ليَسْت مِنْ حروفِ الزيادةِ، وهذا كـ: دَمِث ودِمَثْرٍ، وسَبِطَ وسِبَطْر. و{عَلِمَتْ} جوابُ {إذا}.
{يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ (6)}
قوله: {مَا غَرَّكَ}: العامَّةُ على {غَرَّك} ثلاثياً و{ما} استفهاميةٌ في محلِّ رفع بالابتداء.
وقرأ ابن جبير والأعمش {ما أغرك} فاحتمل أَنْ تكونَ استفهاميةً، وأن تكونَ تعجبيةً. ومعنى أغرَّه: أدخله في الغِرَّة أو جعله غارَّاً.
{الَّذِي خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فعدلك (7)}
قوله: {الذي خَلَقَكَ}: يحتمل الإِتباعَ على البدلِ والبيان والنعتِ، والقطعَ إلى الرفع أو النصب.
قوله: {فعدلك} قرأ الكوفيون {عدلك}، مخففاً. والباقون مثقلاً. فالتثقيل بمعنى: جَعَلكَ متناسِبَ الأطرافِ، فلم يجعَلْ إحدى يَدَيْكَ أو رِجْلَيْكَ أطولَ، ولا إحدى عينَيْك أَوْسَعَ، فهو من التَّعْديلِ. وقراءة التخفيفِ تحتمل هذا، أي: عَدَلَ بعضَ أعضائِك ببعضٍ. وتحتمل أَنْ تكونَ من العُدولِ، أي: صَرَفَك إلى ما شاء من الهيئاتِ والأشكالِ والأشباهِ.
{فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ (8)}
قوله: {في أي صُورَةٍ}: يجوز فيه أوجهٌ، أحدُها: أَنْ يتعلَّقُ بـ: {رَكَّبَكَ} و{ما} مزيدةٌ على هذا، و{شاءَ} صفةٌ لـ: {صورةٍ}، ولم يَعطف {رَكَّبَكَ} على ما قبله بالفاءِ، كما عطف ما قبلَه بها؛ لأنه بيانٌ لقوله: {فعدلك}. والتقدير: فعدلك: ركَّبك في أيِّ صورةٍ من الصورِ العجيبةِ الحسنةِ التي شاءها. والمعنى: وَضَعَكَ في صورةٍ اقتضَتْها مَشيئتُه: مِنْ حُسْنٍ وقُبْحٍ وطُولٍ وقِصَرٍ وذُكورةٍ وأُنوثةٍ. الثاني: أَنْ يتعلَّقَ بمحذوفٍ على أنه حالٌ، أي: رَكَّبك حاصلاً في بعض الصور. الثالث: أنه يتعلَّقُ بعدلك، نقله الشيخ عن بعض المتأوِّلين، ولم يَعْتَرِضْ عليه، وهو مُعْتَرَضٌ: بأنَّ في {أيّ} معنى الاستفهام، فلها صدرُ الكلام فكيف يعمل فيها ما تقدَّمَها؟
وكأنَّ الزمخشري استشعر هذا فقال:ويكونُ في {أيّ} معنى التعجبِ، أي: فعدلك في أيِّ صورةٍ عجيبةٍ. وهذا لا يَحْسُنُ أَنْ يكونَ مُجَوِّزاً لِتَقَدُّمِ العاملِ على اسمِ الاستفهامِ، وإنْ دَخَلَه معنى التعجب. ألا ترى أنَّ كيف وأنَّى وإنْ دَخَلهما معنى التعجبِ لا يتقدَّم عاملُهما عليهما. وقد اختلف النحويون في اسم الاستفهام إذا قُصِدَ به الاستثباتُ: هل يجوزُ تقديمُ عاملِه أم لا؟ والصحيح أنه لا يجوزُ، وكذلك لا يجوز أن يتقدَّمَ عاملُ (كم) الخبريةِ عليها لشَبَهِها في اللفظ بالاستفهاميةِ فهذا أَوْلَى، وعلى تعلُّقِها بـ: (عدلك) تكون (ما) منصوبةً بـ: {شاء}، أي: رَكَّبَكَ ما شاءَ من التركيبِ، أي: تركيباً حَسَناً، قاله الزمخشري، فظاهرُه أنها منصوبةٌ على المصدر.
وقال أبو البقاء: ويجوز أَنْ تكونَ {ما} زائدةً، وأَنْ تكونَ شرطيةً، وعلى الأمرَيْن: الجملة نعتٌ لـ: {صورة}، والعائدُ محذوفٌ، أي: رَكَّبك عليها. و{في} تتعلَّقُ بـ: {رَكَّبك}.
وقيل: لا موضعَ للجملة؛ لأن {في} تتعلَّقُ بأحد الفعلَيْن، والجميعُ كلامٌ واحدٌ، وإنما تقدُّمُ الاستفهامِ على {ما} هو حَقُّه. قوله: بأحد الفعلَيْنِ. يعني: شاءَ ورَكَّبك. وتَحَصَّل في {ما} ثلاثةُ أوجهٍ: الزيادةُ، وكونُها شرطيَّةً، وحيئنذٍ جوابُها محذوفٌ، والنصب على المصدريةِ، أي: واقعةٌ موقعَ مصدرٍ.
{كَلَّا بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالدِّينِ (9)}
والعامَّةُ: {يُكَذِّبُون} خطاباً. والحسن وأبو جعفر وشَيْبَةُ بياء الغيبة.
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ (10)}
قوله: {وَإِنَّ عَلَيْكُمْ}: يجوزُ أَنْ تكونَ الجملة حالاً مِنْ فاعل {تُكَذِّبون}، أي: تُكَذِّبُون والحالةُ هذه، ويجوز أَنْ تكونَ مستأنفةً، أخبرهم بذلك لينزَجِروا.
{يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ (12)}
قوله: {يَعْلَمُونَ}: يجوزُ أَنْ يكونَ نعتاً، وأَنْ يكونَ حالاً من ضمير {كاتبين}، وأَنْ يكونَ نعتاً لـ: {جحيم}، وأَنْ يكونَ مستأنفاً.
{يَصْلَوْنَهَا يوم الدِّينِ (15)}
قوله: {يَصْلَوْنَهَا}: يجوزُ فيه أَنْ يكونَ حالاً من الضمير في الجارِّ لوقوعِه خبراً، وأَنْ يكونَ مستأنفاً.
وقرأ العامَّةُ {يَصْلَوْنَها} مخففاً مبنياً للفاعل. وابن مقسم مشدَّداً مبيناً للمفعولِ، وتقدَّم مثلُه.
{يوم لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يومئِذٍ لِلَّهِ (19)}
قوله: {يوم لاَ تَمْلِكُ}: قرأ ابن كثير وأبو عمرو برفع {يوم} على أنه خبرُ مبتدأ مضمرٍ، أي: هو يوم. وجَوَّز الزمخشري أَنْ يكونَ بدلاً مِمَّا قبلَه، يعني قوله: {يوم الدين}.
وقرأ أبو عمروٍ في روايةٍ {يوم} مرفوعاً منوناً على قَطْعِه عن الإِضافة، وجَعَلَ الجملة نعتاً له، والعائدُ محذوفٌ، أي: لا يَمْلِكُ فيه.
وقرأ الباقون {يوم} بالفتح.
وقيل: هي فتحةُ إعرابٍ، ونصبه بإضمار أعني أو يَتجاوزون، أو بإضمار اذكُرْ، فيكونُ مفعولاً به، وعلى رأي الكوفيين يكون خبراً لمبتدأ مضمر، وإنما بُني لإِضافتِه للفعل، وإن كان معرباً، كقوله: {هذا يوم يَنفَعُ} [المائدة: 119] وقد تقدَّم. اهـ.

.من لطائف وفوائد المفسرين:

من لطائف القشيري في السورة الكريمة:
قال عليه الرحمة:
سورة الانفطار:
قوله جل ذكره: (بسم الله الرحمن الرحيم).
(بسم الله) كلمة منيعة ليس يسمو إلى فهمها كل خاطر، فإذا كان الخاطر غير عاطر فهو عن علم حقيقتها متقاصر.
قوله جلّ ذكره: {إِذَا السَّمَاءُ انفطرت}.
أي: انشقت.
{وَإِذَا الْكَوَاكِبُ انتثرت}.
تساقطت وتهافتت.
{وَإِذَا الْبِحَارُ فجرت}.
أي: فُتِحَ بعضها على بعض.
{وَإِذَا الْقبُورُ بُعْثِرَتْ}.
أي: قُلِبَ ترابُها، وبُعِثَ الموتى الذين فيها، وأُخْرِجَ ما فيها من كنوزٍ وموتى.
{عَلِمَتْ نَفْسٌ مَّا قَدَّمَتْ وَأخرت}.
جوابٌ لهذه الأمور؛ أي إذا كانت هذه الأشياء: عَلِمَتْ كلُّ نَفْس ما قدَّمت من خيرها وشَرَّها.
قوله جلّ ذكره: {يَأَيُّهَا الإِنسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ}.
أي: ما خَدعَكَ وما سَوَّل لَكَ حتى عَمِلْتَ بمعاصيه؟
ويقال: سَأَلَه وكأنما في نَفْسِ السؤال لقَّنَه الجوابَ يقول: غَرَّني كَرَمُكَ بي، ولولا كَرَمُكَ لَمَا فَعَلْتُ؛ لأنَّك رأيت فَسَتَرْتَ، وقدّرْتَ فَأمْهَلْتَ.
ويقال: إن المؤمِنَ وثِقَ بِحُسْنِ إفضالِه فاغتَّر بطولِ إمهالهِ فلم يرتكبْ الزلَّة لاستحاله، ولكنَّ طولَ حِلمه عنه حَمَله على سوء خصالِه، وكما قلت:
يقول مولاي أمَا تستحي ** مما أرى من سوء أفعالِكَ

قلت يا مولاي رفقاً فقد ** جَرَّأني كثرةُ أفضالِك

قوله جلّ ذكره: {الَّذِى خَلَقَكَ فَسَوَّاكَ فعدلك في أي صُورَةٍ مَّا شَاءَ رَكَّبَكَ}.
أي: ركَّبَ أعضاءَك على الوجوه الحكميَّة {فِي أي صُورَةٍ مَّا شَاءَ}، من الحُسْنِ والقُبْح، والطولِ والقِصَر. ويصح أن تكون الصورة هنا بمعنى الصِّفة، و{في} بمعنى (على)؛ فيكون معناه: على أي صفة شاء ركَّبَكَ؛ من السعادة أو الشقاوة، والإيمان أو المعصية...
قوله جلّ ذكره: {كَلاَّ بَلْ تُكَذِّبُونَ بِالِّديِنِ}.
أي: القيامة.
{وَإِنَّ عَلَيْكُمْ لَحَافِظِينَ كِرَاماً كَاتِبِينَ يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ}.
هم الملائكة الذين يكتبون الأعمال. وقد خوَّفهم برؤية الملائكة وكتابتهم الأعمال لتقاصر حشمتهم من اطّلاع الحق ولو علموا ذلك حقَّ العلم لكانَ توقيِّهم عن المخالفاتِ لرؤيته- سبحانه، واستحياؤهم من اطلاّعه- أتَمَّ من رُؤية الملائكة.
قوله جلّ ذكره: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِي نَعِيمٍ وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِي جَحِيمٍ}.
{الأَبْرَارَ}: هم المؤمنون؛ اليوم في نعمة العصمة، وغداً هم في الكرامة والنعمة {الْفُجَّارَ}: اليوم في جهنم باستحقاق اللعنة والإصرار على الشِّرْكِ الموجِبِ للفُرقة، وغداً في النار على وجه التخليد والتأييد.
ويقال: {إِنَّ الأَبْرَارَ لَفِى نَعِيمٍ}. في رَوْحِ الذَّكْر، وفي الأُنْسِ. في أوان خَلْوَتهم.
{وَإِنَّ الْفُجَّارَ لَفِى جَحِيمٍ}. في ضيق قلوبهم وتَسَخُّطِهم على التقدير، وفي ظُلُمات تدبيرهم، وضيق اختيارهم.
{يَصْلَوْنَهَا يوم الدِّينِ وَمَا هُمْ عَنْهَا بِغائبين}.
{يَصْلَوْنَهَا} أي النار.
{يوم الدِّينِ}. يوم القيامة.
{وَمَا هُمْ عَنْهَا} عن النار.
{وَمَآ أَدْرَاكَ مَا يوم الدِّينِ} قالها على جهة التهويل.
{يوم لَا تَمْلِكُ نَفْسٌ لِنَفْسٍ شَيْئًا وَالْأَمْرُ يومئِذٍ لِلَّهِ (19)}
الأمر لله يومئذٍ، ولله من قبله ومن بعده، ولكن {يومئِذٍ} تنقطع الدعاوَى، إذ يتضح الأمرُ وتصير المعارفُ ضرورية. اهـ.